يعقوب الرهاوي (633- 708 م ؟ ) المفسر


يعد يعقوب الرهاوي إجمالا أخصب كاتب للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في القرن السابع. وقد اشتهر في شتى المجالات: فهو لاهوتي وفيلسوف كبير ومؤرّخ شهير ومفسّر جهبذ ونحوي ألمعي

ولد يعقوب في قرية “عين دابا”[أي عين الذئب]الواقعة في مقاطعة جومية التابعة لأبرشية أنطاكية ، توجه إلى دير[أسسه يوحنا ابن أفتونيا] قنشرين[أي عش النسور] عندما كان يافعا، حيث عكف على دراسة اللغة اليونانية وقراءة الكتب المقدسة بتلك اللغة وقد استفاد كثيرا من الشيخ الملفان [المعلم ] ساويرا سابوخت الذي كان مولعا بالكتب اليونانية ارتحل إلى مدينة الإسكندرية المصرية حيث ألم فيها بدقائق الفلسفة ثم عاد إلى الرها

رُسم يعقوب الراوي شماسا في سنة 672 م ولاحقا رسمه أثناسيوس الثاني البلدي أسقفا على الرها سنة ٦٨٤. ويُرْوى أنه قد عاشر الكتب أكثر من معاشرته للناس وشؤونهم وكان له غيرة حمية على القوانيين الكنسيَّة وتنفيذها إلا أن تجاهل الرهبان ورفضهم لإصلاحاته و مناهضتهم [مقاومتهم] لها وما وجده من إلحاح في الصبر عليهم من البطريك يوليان الثالث جعله يـُـقـْـدِم على حرق نسخة من قوانيين الأديرة معللا ً ذلك أنها أضحت بلا جدوى [نتيجة ً لتجاهلها ] ثم استقال من أبرشيته وتوجه إلى دير لكنه لم يمكث فيه لذات السبب .لاحقا استدعاه رهبان من دير أوسيبونا بكورة أنطاكيا لتدريس اللغة اليونانية فمكث يُدَرِسْ الكتب المقدسة بحسب النص اليوناني ومعتمدا على كتابات الآباء اليونانيين وتحمس لتلك اللغة إلا أن هذا قد أثار حفيظة الرهبان الذين تحمسوا للنص السرياني وأولوا له الأهمية كون السريانية لغة هويتهم و أرضهم خلافا للغة التي صارت بفعل الوقائع [تبعيات مجمع خلقدونية] ينظر لها كلغة مناوئة، مما اضطره لمغادرة الدير لينتقل بعدئذ لدير تلعدا بالقرب من جبل بركات حيث عكف على إعادة صياغة ترجمة البسيطة السريانية للعهد القديم من خلال النص اليوناني للعهد القديم . وصلنا من هذه الجهود: الأسفار الخمسة الأولى من الكتب المقدسة و أسفار صموئيل الأول و الثاني و أشعيا و دانيال مع شيء من النقصان أما بقية الأسفار فلم يصلنا منها إلا نتف .

إثر وفاة الأسقف حبيب الذي خلفه على كرسي الرها، طَالَبَ الرهاويون البطريك ليعيد يعقوب إلى أبرشيته وبالفعل فقد التحق بها غير أنه لم تنقض إلا أربعة أشهر حتى عاد إلى دير تلعدا ليأخذ كتبه إلى الرها فأرسلها أمامه لكن وافته المنية في الدير المذكور.

اعتنى بالمؤلفات التأريخية كما يظهر في “كرونيك”-أي سجل زمني تسلسلي- ألفه سنة ٦٩٢. هذا العمل، الذي يغطي الحقبة الممتدة من السنة العشرين لحكم قسطنطين حتى تاريخ تأليفه إلا أن آخر[غيره] ذَيـَـلـَـه بخاتمة تمتد إلى سنة 709- 710 و حُفظ الـ “كرونيك” في مخطوط واحد فقط وبه ثغرات عديدة وهو يرتقي إلى القرن العاشر أو الحادي عشر[مخطوط لندن برقم 14685 ] إلا أنه قد اقتُبـِسَ معظم أجزائه في كتابات ميخائيل الكبير السرياني ، كان يهدف إلى إكمال عمل يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسيّ العالمي والمشهور.

ومن أبرز خصائص الـ “كرونيك” ، تنظيمه للمادة، التي قسمت ثلاثة أعمدة متوازية؛ العمود الأوسط، وهو الأصغر، خُصص لعرض توالي التواريخ (وفقًا لتقويمات مختلفة)، أما العمودان الأيمن والأيسر فهما عبارة عن مختارات شخصية لملاحظات قصيرة حول بعض الأحداث والأشخاص.

نشره إ. و. بروكر مع ترجمة لاتينية، “كرونيك يعقوب الرهاوي”، CSCO ٥ (١٩٠٥) (نص)، ص ٢٦١-٣٢٧ ؛ ٦ (١٩٠٥) (ترجمة)، ص ١٩٩ – ٢٥٥.

ومع أن تاريخه الإخباري يصل من خلال مخطوط وحيد إلا أنه اشتهر وعُظِّمَ من قبل مؤرخين لاحقين من التقليد السرياني بشقيه الغربي و الشرقي .

كما أنَّ الطقس السرياني الأرثوذكسي مدين ليعقوب بإسهاماته البارزة في اليتورجية [العبادة التي يُمارسها الشَّعب في الكنيسة] وفي مجال القوانيين الكنسيّة

وفي مجال اللاهوت العقدي[كلملة لاهوت تشير بشكل أساسي إلي العقائد المتعلقة بالإله] وضع يعقوب «أنكيريديون» أي المختصر، وهو مجموعة العبارات العلمية الفلسفية، وفيه يفسر بنوع خاص ما استعمله اللاهوتيون من الألفاظ كجوهر وذات وطبيعة وأقنوم وشخص. . .

وقد اشتهر خصوصًا بأعماله في مجال الدراسات البيبلية[علوم الكتب المقدسة فقد نبغ في التفسير]

وجدير بنا أن نضع يعقوب في المكانة الأولى بين نحاة اللغة السريانية بحسب لهجتها الغربية حيث وضع القواعد ونقى اللغة من الألفاظ الأعجمية في كتاب سماه (غراماطيقي)

ومؤلفاته كلها تدل على مادة علمية غزيرة ومواهب أدبية عالية واطلاع واسع في المعارف العمومية. وكان في زمانه أشبه بدائرة معارف متنقلة قد وعى في صدره علوم المتقدمين والمتأخرين

حول عناوين وموضوعات مؤلفاته تلك انظر : ترجمة الفيلسوف السرياني الشهير يعقوب الرهاوي والمشار لبيانته أدناه

وقد حاول بعض الملكيين والموارنة وحتى الشرقيين أن يعدوا يعقوب بين ملافتهم[معلميهم] من حيث كتاباته الليتورجية واللغوية

وأهم مرجع لمعرفة تاريخ حياة يعقوب الرهاوي هي لمحة لا يُعرَف مؤلّفها وردت في تاريخ ميخائيل السرياني وأوجزها ابن العبري في تاريخه الكنسي.

أدب اللغة الآرامية، الأب ألبير أبونا، دار المشرق، المكتبة الشرقية، بيروت – لبنان، الطبعة الثانية مزيدة ومنقحه١٩٩٦ م.

ترجمة الفيلسوف السرياني الشهير يعقوب الرهاوي 633- 708م نشرت أولا في مجلة الحكمة بقلم مراد فؤاد جقي ،مطبعة دير مرقس للسريان ، القدس 1929

كتاب جذورنا ، مقدمات عامة – الآداب والفنون السريانية نشر مركز الدراسات و الأبحاث المشرقية طبعة أولى عام 2005.

اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية- أغناطيوس أفرام الأول برصوم ، دار ماردين – حلب طبعة سادسه عام 1996

1 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *