نبأ ولا كل الأنباء22/8/2025
مثلما كان السريان في العهود الغابرة ببلاد النهرين وبلاد آرام الشام يبنون المدارس والمعاهد العلمية الراقية في كل حدب وصوب، إلى جانب الأديرة والقلالي، تلك التي تحولت إلى معاهد عالية، يعلمون فيها اللغة السريانية ومختلف العلوم المتطورة والمتقدمة، وازدهرت هذه المدارس والأديرة والقلالي في بداية العهود المسيحية بشكل منقطع النظير، وأخذت تقدم للبشرية خدمات جلَّى، وأخرجت الناس من ظلمة الجهل إلى نور المعارف والعلوم، حيث كان الطلاب يتقاطرون إليها من كافة أرجاء العالم المتمدن آنذاك، ولا سيما مدرسة نصيبين العظيمة، ومدرسة الرها وغيرهما من القلاع العلمية السريانية .هكذا ينطلق اليوم ومنذ سنوات قطار اللغة السريانية وآدابها عبر الآفاق، في سباق مع الزمن على أيدي معلمين ومعلمات مهرة، يتقنون التعليم، ويسيرون بهدي ضمائرهم وإخلاصهم لمهنتهم المقدسة، وينسجون كما نسج الآباء العظام من قبل كمار أفرام السرياني، ومار يعقوب السروجي، ورابولا القنشريني، والأسقف يعقوب الرهاوي وغيرهم من أساطين اللغة السريانية وآدابها، ويرفعون ركام الزمن، وعاديات الدهر وزعازعه عن وجهها الناصع، ويعملون على إحيائها وإنعاشها، ونشرها بين الناس .ومثلما كان هؤلاء مشاعل نور أضاءت دروب الكون بما قدموه من كنوز وجواهر ثمينة، هكذا يفعل معلمو ومعلمات اللغة السريانية في وقتنا المعاصر ممن يحبون هذه اللغة العالمية والتاريخية، ويخلصون لها كل الإخلاص، ويتابعون مسيرة الرعيل الأول من القديسين والآباء والملافنة السريان العظام .فمن كنائس وأديرة وقلالي طور عبدين الحصينة، حيث تعلم السريانية بين جدرانها السميكة منذ الفي عام على الأقل، إلى مصر الحبيبة حيث تعلم اللغة السريانية في معظم جامعاتها، إلى العراق وجامعاته، تلك التي فتحت فيها ومنذ زمن بعيد فروع لتدريس السريانية ومختلف علومها، وصولاً إلى جامعة الكسليك في جونية بلبنان الأخضر، عبوراً إلى تركيا وجامعة أرتقلو في مدينة ماردين العظيمة، تلك التي فتحت فرعاً خاصاً لتدريس اللغة السريانية فيها، وكان لي شرف أن أدرس فيها هذه اللغة المقدسة مدة ثلاث سنوات، ومدرستنا السريانية في استانبول، ولا ننسى الجامعة الإسلامية لمقارنة الأديان في المملكة العربية السعودية، تلك التي شرعت في الآونة الأخيرة بتدريس اللغة السريانية، إضافة إلى مدارسنا ومعاهدنا السريانية التي لا تعد ولا تحصى في كيرالا وغيرها من مدن حنوبي الهند، والجامعات العالمية في مختلف أصقاع الأرض تلك التي تقدم هذه اللغة على طبق من ذهب للباحثين والمختصين والراغبين من دارسي الآثار والتاريخ وغيرها من العلوم الإنسانية .
وفي هذا المجال إن أنسى فلا أنسى دور المدارس الألكترونية، ولا سيما الأكاديمية الألكترونية لتعليم اللغة السريانية وآدابها وتاريخها، تلك التي تديرها، وتعلم فيها الدكتورة المتميزة هند فتحي .أما إن أردت الحديث عن هذه الدكتورة المتميزة وضميرها الحي، ووجدانها الغامر بالصدق والإخلاص، وأسلوبها التعليمي الحديث في تدريس اللغة السريانية الذي لا يمارى، ولا يجارى، وثقافتها العالية، وعلاقاتها الحضارية الواسعة، واطلاعها على خفايا هذه اللغة، والتي بذلت جهداً كبيراً، ودموعاً سخينة في سبيل نجاحها في مهمتها، في ماراثون سرياني رائع، كانت وما زالت فيه كالغواص الذي يغوص في أعماق البحار، ويجوب المحيطات، ليخرج لنا جواهر غالية لا تقدر بثمن، والفيديوهات السريانية التي صنعتها، وما تزال، والدورات التعليمية التي قدمتها، وما تزال، وعلمت فيها المئات من الطلبة والطالبات هذه اللغة التاريخية المتميزة بكونها حاضنة مختلف المعارف والعلوم القديمة، وحاملة مشعل التقدم والتطور العالمي، وعلى امتداد آلاف السنين، إنها حقاً مدرِّسة وباحثة واعدة، فهي دوماً وأبداً لا تكل ولا تمل من عملها المقدس، وتكاد تكون لوحدها خلية نحل تقدم لنا الشهد اللذيدَ .فلكِ يا دكتورة هند فتحي من أخيك الباحث في التراث السرياني جوزيف أسمر ملكي، كل محبة أخوية صادقة، ومشاعر يصعب وصفها، لأن القلب فرح، واللسان عاجز عن التعبير، وأقول لك: تابعي المسيرة بجد وإخلاص، فلمثلك تقرع الأجراس كل يوم صباح مساء .


لا تعليق